ولدت هذه الكنيسة في أنطاكية، حوالي عام 38/50 ، المكان الذي تلقى فيه تلاميذ المسيح ولأول مرة اسم ” مسيحي”. كانت أنطاكية آنذاك عاصمة للإقليم السوري للإمبراطورية الرومانية. كان يطلق على مسيحيو هذه المقاطعة الرومانية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى حدود بلاد فارس اسم “السريان” أو “السوريون”. أصبحت أنطاكية مركزاً للمسيحية في سوريا تحت حكم الرومان وفي الشرق الأوسط، وهي موطن إحدى المدارس اللاهوتية الثلاثة في العالم المسيحي ، ويتواجد الباقون في الإسكندرية والقسطنطينية. وضعت أساساتها اللاهوتية على فلسفة أرسطو، في حين أن الإسكندرية طورت التيار الأفلاطوني.

في مواجهة الهيمنة السياسية والثقافية الإغريقية – الرومانية، وفيما يتعلق بمدينة إديسا العظيمة (الآن أورفا ، تركيا)، أرادت أنطاكية تطوير المسيحية من خلال اللغة والثقافة السريانية التي انتشرت تدريجياً في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين. بحسب التقليد السرياني، يعود الفضل بتبشير بلاد ما بين النهرين إلى الرسول توما وتلاميذه اداي وماري، ” في واقع يبدو أن دخول المسيحية كان فقط منذ بداية القرن الثاني وكانت نتيجة عمل المبشرين اليهوديين – المسيحيين القادمين من فلسطين [1]“.

وقد بنيت هذه المسيحية في بلاد ما بين النهرين في سلوقية – قطيسفون على ضفاف نهر دجلة ، على بعد 30 كيلومتر جنوب بغداد ، حيث تشير التقاليد إلى أن القديس توما توقف هناك خلال رحلته إلى الهند. هناك، وعلى تلك التلة الواقعة في ضاحية كوغه، تم بناء أول كنيسة بطريركية وكاثوليكوسية لكنيسة بلاد ما بين النهرين. لا تزال هذه المسيحية من أصول اللغة السريانية تشكل حتى يومنا هذا القاعدة المشتركة للكنائس المحلية في العراق ولمجتمعاتهم التي تضمن حفظ وتناقل هذا الميراث.

قُسمت هذه القاعدة المشتركة تدريجيا إلى عدة كنائس، من المجالس الأولى وحتى القرن العشرين لأسباب جيوسياسية و كرستولوجية.

وهكذا، عُقد المجمع المسكوني الأول في نيقيا عام 325 بدعوة من الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول في غياب أساقفة بلاد فارس، باستثناء جاك من نصيبين لأنه ” كان من المستحيل لباقي الرعاة وفي فترة الحرب الدائمة أو (الدائمة تقريباً) ، حضور المجمع المنعقد في بلد العدو ، وبدعوة من الإمبراطور الروماني، وعلاوة على ذلك ترأسه لهذا المجمع.[2] ”

يجب القول أنه منذ تحول قسطنطين الأول إلى المسيحية ، انتقل الإمبراطور الساساني شبور الثاني من حالة التسامح إلى حالة من عدم الثقة تجاه مسيحيي بلاد فارس. ثم تحول انعدام الثقة هذا إلى عداء ، ودُمرت الكنائس وتعرض رجال الدين للاضطهاد. “إن الغرض من الاضطهاد ليس إبادة المسيحيين ، بل لإجبارهم على الارتداد عن الدين بمجرد أن يتم القضاء على التسلسل الهرمي. [3]“

وبعد قرن، في عام 431، أدان مجمع أفسس البطريرك النسطوري في القسطنطينية، المُدافع عن الطبيعتين الموجودتين في المسيح: الأولى إلهية، ابن الله، والأخرى بشرية، ابن مريم. اعتُبرت هذه العقيدة المسيحية هرطقة وتم عزل نسطور.

ساعد التنافس الجيوسياسي الموجود بين الإمبراطورية الرومانية وإمبراطورية فارس الساسانية كنيسة الشرق على تبني النسطورية في النصف الثاني من القرن الخامس ، وبالتالي انتشرت في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس والهند.

بعد عشرين سنة وفي عام 451 ، في مجمع خلقيدونية ، حدث جدل كريستولوجي جديد. واتهمت الكنائس السورية (الكنائس السريانية)، المصرية، الإثيوبية والأرمنية بالدفاع عن عقيدة الوحدانية، أي أن الطبيعة الإلهية للمسيح قد استوعبت (امتصّت) طبيعته البشرية، وأن المسيح في نهاية المطاف ليس له إلا طبيعة واحدة، الطبيعة الإلهية. أدى هذا المبدأ المندّد به إلى انقسام جديد ، وأصبحت الكنائس المعنية ، المتلهفة على الحفاظ على مصالحها الجيوسياسية الخاصة، ذات طابع ذاتي.

في القرن السادس ، أعاد الراهب السوري جاك باراداي تنظيم الكنيسة السريانية. بعد رسامته الأسقفية ، قام برحلة طويلة في جميع المناطق السريانية للعديد من الأساقفة والكهنة والشمامسة.  وبفضله، تسمى الكنيسة السريانية “باليعقوبية”. وهو مؤسس الكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

بعد انقطاع عن مسيحية الغرب لعدة قرون، عاشت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بظروف معقدة كظهور الإسلام، الفتوحات العربية، والخلافة العباسية من القرن الثامن وحتى القرن الثالث عشر، غزوات المغول، سقوط القسطنطينية في القرن الخامس عشر والهيمنة التركية العثمانية.

وعلى مر القرون، استقرت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بشكل رئيسي في جنوب شرق تركيا الحالية (طور عابدين)، شرق سوريا والعراق، وأسست وبشكل مؤثر تيار التقشف والرهبنة ، أقامت الأسقفيات، وتمكنت من البقاء على قيد الحياة مواجِهة غارات المغول في القرن الثالث عشر قبل حدوث الانقسام في القرن الثامن عشر حيث ولدت كنيسة السريان الكاثوليك المرتبطة بروما.

ما بين 1917-1915 كانت نقطة الأنهيار. وقع السريان الموجودين في طور عابدين ضحية الإبادة الجماعية الأرمنية وذُبحوا كما الأرمن من قبل الأتراك والأكراد.

استقر عدد من الناجين في بلاد ما بين النهرين العراقية، في الموصل وسهل نينوى التي احتوت من قبل على المجتمعات السريانية، وأيضاً في بغداد، حيث جاء معظمهم في ستّينات القرن العشرين. طوال هذا القرن، هاجر الكثير من المؤمنين السريان الأرثوذكس القادمين من تركيا، لبنان، سورية والعراق إلى ما هو أبعد من الشرق وشكلوا مجتمعات في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا.

[1] من ” حياة وموت مسيحيي الشرق. قديماً وحتى يومنا هذا” ، جان بيير فالون، فايارد، اذار 1994، ص. 737

[2] من ” تاريخ كنيسة المشرق” ريمون لو كوز، أيلول 1995، ص. 31

[3] من ” تاريخ كنيسة المشرق” ريمون لو كوز، أيلول 1995، ص. 33

بنيت كاتدرائية مار بطرس ومار بولس المكرسة للرسولين القديس بطرس والقديس بولس بين عامي 1962 و 1964 وتم تكريسها في 9 أيار 1964 من قبل البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث.

وقد تم بناءه بفضل تبرع الذي قام به عبد المجيد زيونة والذي تم دفنه في الكنيسة.

استقبلت أبرشية السريان الأرثوذكس في بغداد منذ إعادة تأسيسها في أوائل القرن العشرين ، ثلاثة رؤساء أساقفة: مار غريغوريوس بولس بهنام ، مار سويريوس زكّا عيواص الذي أصبح البطريرك زكّا الأول عيواص،  وأخيراً ومنذ عام 1980 مار سويريوس حاوا رئيس أساقفة بغداد الحالي.

منذ ظهور الأصولية الإسلامية وسقوط نظام صدام حسين ، تم استهداف كاتدرائية مار بطرس ومار بولس في عام 2000 بسيارتين مفخختين، ولحسن الحظ لم يسبب هذا أية إصابات.

بنيت كاتدرائية مار بطرس ومار بولس من قبل المهندس جوزيف جرجيس ، و هي كنيسة كبيرة واسعة  تحتل مساحة أكثر من 1800 متر مربع ، تتجه نحو الشمال الشرقي. هي عبارة عن قاعة كبيرة ، خالية من الأعمدة الداخلية ، يعلوها سقف مرتفع بوجهين مائلين.

تتمتع كاتدرائية مار بطرس ومار بولس ، التي تتميز بالحداثة، بالأجزاء الرئيسية الثلاثة للعمارة السريانية: الكنيسة المنخفضة للشعب (الصحن) والكنيسة الوسطى للشمامسة الذين يمجدون الرب (الجوقة) والكنيسة العليا للكهنة والأساقفة (المكان المقدس).

يتم فصل المكان المقدس في الكاتدرائية عن صحن الكنيسة والجوقة عن طريق باب ملكي بأربعة أعمدة ، مزود بستائر كبيرة مطرزة بصليب رائع وضخم، تفتح أو تغلق حسب الأوقات الليتورجية.

في الوسط ، أمام المكان المقدس، تم وضع إنجيل مغطى بلوحة مذهبة تمثل المسيح المصلوب.

تم تجهيز المكان المقدس بثلاثة مذابح.  يميل المذبح الرئيسي المتعدد الدرجات نحو المشرق. يعلوه لوحة   كبيرة لصلب المسيح، ويوجد مذبحين جانبيين بسيطين للغاية .

يتوج مركز المكان المقدس بقبّة على شكل مصباح، رمز القوس السماوي ، فوق المذبح الرئيسي.

توجد غرفتان على جانبي المكان المقدس، خزانة الكنيسة على اليسار والمعمودية على اليمين. يعلو أبواب هاتين الغرفتين لوحتان متماثلتان كتب عليهما بالعربية عقيدة نيقيا – القسطنطينية.

تحت العقيدة المكتوبة فوق الباب الأيمن نجد هذا المقتطف من إنجيل القديس مرقس 16،16 “الشخص الذي سيصدق ويعمّد سيخلص ، لكن من لا يؤمن سيتم إدانته”.

تحت العقيدة المكتوبة فوق الباب الأيسر نجد هذا المقتطف من إنجيل القديس يوحنا 15، 26/2 ” رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي  “.

في الوسط ، تم نقش العتبة الخشبية للباب الملكي بصلاة “أبانا” للفنان عبد الغفار مال الله عام 1982.

تضيء الكنيسة ثريات جميلة معلقة على السقف. يوجد على الجدران الجانبية نوافذ من الزجاج الملون تسمح للضوء الطبيعي بالتخلل منذ شروق الشمس وحتى غروبه.

هناك العديد من المقابر في الكاتدرائية. من بين هؤلاء قبر مار غريغوريوس بولس بهنام الذي توفي عام 1969 ، أيضاً قبر الأب يوسف عبودي الذي قتل في 5 نيسان 2008.

على الجدار الأيسر للكنيسة يمكننا قراءة ثلاثة لوحات تذكارية متطابقة في اللغات الإنجليزية والعربية والسريانية ، في ذكرى الراعي العظيم عبد المجيد زيتونة ونجد قبره في باحة الكاتدرائية.

في عمق الكنيسة ، تم إنشاء منبر يحتل كامل عرض المبنى.

يقع برج الجرس في جنوب غرب المبنى.

بجوار كاتدرائية مار بطرس ومار بولس، وفي عام 1975، تم بناء مقر رئيس أساقفة السريان الأرثوذكس في عهد البطريرك مار إغناطيوس زكا عيواص ، الذي كان في السابق أسقف بغداد وخلفه الأسقف الحالي مار سويريوس حاوا.

يوجد مقابل الكاتدرائية مبنى حديث مخصص للكهنة ، بالإضافة إلى قاعة مساحتها 320 متر مربع باسم البطريرك برصوم والتي تُستخدم في الأنشطة والفعاليات الدينية والاجتماعية.

هناك أيضاً مبنى جديد يحيط بمقر رئيس الأساقفة صممه المهندس باسم ماتي القاص بهندسته المعمارية المميزة جداً، حيث يبدو على شكل قبة مثبتة على الأرض. في الداخل ، في جو هادئ ومليء بالصلاة ، هناك كنيسة صغيرة جميلة.

في الجوار اثنين من المباني وهم عبارة عن جامعة علمية.